بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين By طه عبد الرحمن
كتاب مُهمّ
الدّهرانيّة هنا يقصد بها فصل الأخلاق عن الدّين، أمّا النّقد الإئتماني فهو -حسب ما قاله- يعتمد على العقل المُسدّد.
يتحدّث فيه عن أربع نماذج ظهرت في أوروبا لفصل الأخلاق عن الدين وهي: الصيغة الطّبيعية، الصيغة النّقدية، الصيغة الإجتماعية والصيغة االنّاسوتيّة والتّي يُمثّلها بالتّرتيب كُلّ من: جان جاك روسو، إيمانويل كانط، دوركهايم ولوك فيري.
وهو ينقُد هنا الأفكار التي بُنيت عليها هذه الصّيغ ويُقدّم بديلا عنها مُؤسسا على الطّريقة الإئتمانيّة.
بعدها خصّص بابا كاملا عن بُؤس المقلّد الفكري وهو يتحدّث هنا عن المفكرّين الذين نقلوا لنا هذه الصّيغ.. وبُؤسهم هنا لا يقتصر على كونهم مُقلّدين لكلام غيرهم بل على تشويههم لما ينقلونه وعلى عثرتهم في استيعاب مضامين ما يُقلّدون.
مرّة أُخرى أشدّد على أنّ الكتاب مُهم، وطرح طه عبد الرحمن عميق، وهو يتناول القضية بطريقة إبداعيّة، وتشكيله للمصطلحات رائع.... ولكن الأسلوب كان جافا لدرجة لا تُحتمل، وعرض الكتاب كان مُنفِّرا، وهذه أوّل مرّة لا أنتصر فيها للأفكار على حساب الأسلوب. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين المراجعة: يقدم د. طه عب الرحمان في كتابه قراءة نقدية انبنت على نقدين على هدم(تفكيك) وبناء (إبداع) يفصل الكاتب الفيلسوف في نقده بين العلمانية والعلماتية كما أظهر ذلك في كت��به روح الدين وأطلق طه على عملية انتزاع قطاعات الحياة المختلفة من الدين، اسماً عاماً هو الدُّنيانية، التي تتخذ صوراً متعددةً، منها فصل السياسة عن الدين، وهو العَلمانية، ومنها فصل الدين عن العلم، وهو العِلمانية (بكسر العين)، لكن أشد الانفصالات خطراً، وأبلغَها أثراً، بحسب طه عبد الرحمن، هو فصل الأخلاق عن الدين، وهو ما قصده بـ الدهرانية، إشعاراً منه بأن فصل الأخلاق عن الدين ينزع عن الأخلاق لباسها الروحي، ويكسوها لباساً زمنياً.وأما مقصوده بالبؤس فهو منقول عن غيره من فلاسفة النقد الحداثة في الغرب أمثال كارل بوبر في كتابه: بؤس التاريخانية وبيير بورديو في بؤس العالم وليس مقصود بها الحالة السيكولوجية وإنما مما هي عليه هذه الأطروحات من تهافت وما كانت عليه أطروحات الدهرانيين وقسم طه عبد الرحمان نقده إلى بابين فنتناول بالباب الأول النقد الإئتماني(نقد عقلي مسدد بروح الدين) نقد المسلمات الدهرانية ويتحدّث فيه عن أربع نماذج ظهرت في أوروبا لفصل الأخلاق عن الدين وهي: الصيغة الطبيعية، الصيغة النقدية، الصيغة الإجتماعية والصيغة االنّاسوتية (النزعة الإنسانية) يمثلها كل من: جان جاك روسو، إيمانويل كانط، دوركهايم ولوك فيري.
وهو ينقُد هنا الأفكار التي بُنيت عليها هذه الصّيغ ويُقدّم بديلا عنها مُؤسسا على الطّريقة الإئتمانيّة في بدائل ما سماه بالأنموذج الإئتماني وينبني على المبادئ : مبدأ الشاهدية الشهادة الفطرية للإنسان للعبودية للخالق ، مبدأ الآياتية وهي العلاقة التي تحكم الخالق بالعالم فينقد بها نفي الدهرانية للرسالة والرسل، مبدأ الإيداعية وهي خلافة الإنسان على الأض لا تملكه إياها،مبدأ الفطرية أصل الأخلاق هي الفطرة وهي تحفظ العلاقة السابقة بين الله والإنسان ولا تقطعها بتصور أن الأخلاق ذات أصل مجتمعي أوإنساني..مبدأ الجمعية وهي أن الدين كله خلق ولا فصل بين الشعائر والسلوك.
ثم عرض نقدا للتصور الدهراني لعلاقة الإله بالإنسان خصوصا لكلام كانط ودركهايم عن الدين الأخلاقي بالنسبة للأول، والدين الاجتماعي بالنسبة للثاني، والدين الطبيعي بالنسبة لروسو..من تحويرهم للعلاقة من تعبد إلى منازعة وتيّد ومشاركة في الخلقْ (مع أن الخلق مقصود به الإبداع من العدم والذي يخص الإله)..ثم تكلم عن ظلم الدهرانية للدين من خلال الخلط بين الدين التاريخي والدين بوجه عام ونقده لعزلهم الأخلاق عن الدين .
ثم يلتفت طه بنقده إلى المقلدة من المفكرين المتأثين بالحداثة في أنموذجها الغربي وبؤس تقليدهم ونقلهم (ولا نقول تصورهم لأنه عبارة عن نقل ونسخ لأطروحات غربية ولا جديد لديهم) وذلك بنقد كلامهم عن الأخلاق وحصر الأخلاق في التعامل مع الأفراد والتفريق بين الديني والروحي وعلمانية الأخلاق ونقده لنقدهم لأخلاق التزكية في التدين الإسلامي بدعوى أننها تدعوا لترك العمل ودعوى الطقوسية ..ثم ينقد أنقلاب تعقل الحداثة إلى توسلها بالروحانيات الموجودة في الدين ويعتبره طه خلطا وتناقضا بل هو توسل بالدين في الوقت التي تدعو إلى هدمه والإنفصال عنه ونقده لمحاولة إقامة روحانيات دنيانية، قائمة في الأساس على أخلاق دهرية، بعيدة عن أي اعتبارات وحيية، أو غيرها بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين بؤس الدهرانية هو شكل من أشكال بؤس الحداثة كما يحاول المقلِّدة من أبناء الحضارة العربية الإسلامية غرسه في بيئتنا الثقافية أو مجالنا التداولي و ذلك باستجلاب تطبيق كل ما يراه مفكرو الغرب الذين حاولوا و يحاولون إفراغ الدين من محتواه عبر فصله عن توابعه و لواحقه و مضامينه. فالدين منفصل عن الأخلاق بفعل الدهرنة و منفصل عن السياسة بفعل العلمنة
إن كان يمكن - و إن بصعوبة- تفهُّم تخلّي مفكري الغرب عن الدين و محاولتهم خلق أخلاق لادينية و روحانيات لا دينية فإنه لا يمكن بأي حال فهم انسياق المثقفين من أبناء جلدتنا إلى دعوى فصل الدين عن مجالات الحياة و ذلك لاختلاف السياق الحضاري للأمة الإسلامية عن مثيله لدى الغرب ما دفع بأشباه المثقفين إلى الدعوة إلى التخلي النهائي عن التراث الإسلامي. يأتي طه ليقرر مبدأين للتعامل مع تراثنا؛ فكل مأصول ثابت ما لم يتبث دليل على بطلانه و كل منقول مردود ما لم يقم الدليل على نفعه. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين لم ألق كتاب يصادق عنوانه مثل هذا الكتاب
مداخل الأبواب مهمة لفهم النسق و مراد الكاتب
أنقل منه بعض الجواهر
(فمنها أن الانتقال من الديني التاريخي إلى الديني الفلسفي ليس انتقالا يحصل من داخل الدين و إنما من خارجه لأن الإرادة التي توجد من زرائه هي إرادة الخروج من الدين فيقع إنكار الدين و إلا فلا أقل العزوف عنه بينما الانتقال من الصورة الوقتية للدين إلى صورته الفطرية ليس انتقالا يحصل من خارج الدين و إنما من داخله لأن الإرادة التي توجد من ورائه هي على العكس من ذلك إرادة الدخول في الدين فتقع المجاهدة في الدين و إلا فلا أقل من الاجتهاد فيه و منها أيضا ان ظاهر النصوص في الديني الفلسفي يمكن تجاوزه إذ يكفي اعتبار مضامينها, لا عبارات و إنما إشارات لا رسوما و إنما رموزا فينفتح باب التأويل على مصراعية في حين أن ظاهر الأعمال في الصورة الوقتية للدين المنزل لا يمكن تجاوزه إلا ما ثبتت مخالفته لظاهر النصوص الأصلية لأن ما صح من هذه الأعمال هو جزء لا يتجزأ من صورة الدين الفطرية)
(فإن الأخلاق الدهرية لا تكاد تصرف الإنسان عن التعبد للإله الآمر حتى توقعه في شرك التعبد للسلطان القاهر)
(و بيان ذلك أن الإئتماني يسعى لا إلى التفريق بين الأشياء شأن الدهراني و إنما إلى الجمع بينها موقنا بوحدة مصيرها إيقانه بوحدة أصلها)
(جمعية الإنسان توجد في جمعية الدين و كمال أخلاقه في كمال أحكامه)
(أما كلام بعض ادلهرانيين عن روحانيات دهرانية فأقل ما يقال فيه أن صاحبه لا يعقل مطلقا معنى الروحيات فضلا ان يجد لها رائحة او طعما لأن الاينما و العبادة شرطان فيها و لان الشاهد لهما و عليهما و واهب التخلق بهما ينبغي ان يكون الكائن المطلق اللامتناهي الذي ليس فوقه اي كائن اخر و ليس هذا الوصف الأسمى إلا لإله الدين المنزل)
(لأن العقل الذي لا يرى حيث العقل في دين هذه الأمة و حيث الهوى في دين غيرها فهو كلاعقل)
و خاتمة جواهره
(فظلم المقلدة الدهرانيين للماهية الدينية و الخلقية للمسلم أنكى من ظلم مفكري الحداثة الدهرانيين للماهية الدينية و الخلقية للمسيحي)
بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين الكثيييير جدا من الهراء و التدليس و اخراج النصوص من سياقاتها و محاولات لتشويه و تدليس الفكر العلماني بطريقة فظة و غير مؤسس لها الا فيما ندر
هذا غير المغالطات المنطقية و المنطلقات الواهية التي يتخذها لبنة اولى للانطلاق في مسائلة صرح العلمنة
أحسست و أنا اقرأ له بغلبة الديني على الفكري الفلسفي في خطابه حتى لغته مليئة بألفاظ : الشرك ، الشبهة ، التوحيد ....
النجمة الوحيدة التي أعطيتها له لنقده الصائب في بعض المحطات للفكر الأخلاقي الأوروبي و للمفكرين العرب الذين نقلوه حرفيا دون مراعاة لاختلاف التطلعات و السياقات بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين
يواصل الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن نقده للحداثة في واقعها ومشروعها الذي يباشر فصل مختلف مجالات الحياة عن الدين؛ فبعد كتابه روح الدين الذي محَّص فيه قول العلمانيين بفصل المجال السياسي عن الدين، أفرد هذا الكتاب للدعوى التي تقول بفصل المجال الأخلاقي عن الدين، واضعًا لها اسمًا خاصًّا، وهو: الدهرانية؛ فاستخرج الصيغ المتعددة التي اتخذتها هذه الدعوى، والتي اختلفت باختلاف تصوراتها لعلاقة الإله بالإنسان، مفصلاً الاعتراضات التي تتوجه على هذه الصيغ والتصورات الدهرانية جميعًا؛ وتميز هذا النقد بسِمتين أساسيتين: إحداهما أنه بُني على نظرية فلسفية وضع هذا المفكر المبدع أُسسها ومبادئها ومسائلها، وهي النظرية الائتمانية، والثانية انه شمل أيضًا المقلدين من مثقفي الأمة لمفكري الدهرانية، فكشف مساوئ العبودية الفكرية التي وقعوا فيها. بدءًا من البؤس في الأفكار وانتهاءً باليأس من الاستقلال. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين
كتاب رائع و صعب حقا ،يلزم القارئ ان يركز كثيرا كي يفهم التسلسل المنطقي للرد على دعاة فصل الاخلاق عن الدين و المقلدين الحداثيين .
قراءة واحدة لا تكفي لهذا الكتاب الذي يمكن اعتباره مرجعا في هذا الموضوع .
يعمد الكاتب الى اسلوب فريد في كتابته بابتكار مصطلحات جديدة و وضع صيغ واضحة لدعاوى الدهرانيين يسهل بعدها تتبع ردوده عليها.
شكرا يا دكتور طه عبد الرحمان على هذا الانتاج و الابداع الفكريين ،وشفاك الله ! بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين بؤس الدهرانية - طه عبد الرحمن
بسم الإله رب العالمين
حسنٌ، كي لا أطيل عليكم - كالعادة - أود الإلماح لبعض النقاط الهامة في هذا الكتاب
هذا كتاب عظيم، عظيم بحق، وعظمته تكمن في كونه قادر على أن يعصف بذهنك ويقلب كل ما تؤمن - وآمنت به يومًا - من أفكار تقليدية جامدة، سواء، عن الدين أو الفلسفة.
اسم الكتاب، بؤس الدهرانية، ولمن لم يقرأ أو يطلع على مشروع السيد طه، بمصطلحاته، وأفكاره، وأسلوبه، فهو يقصد بالدهرانية: مجموع الأفكار التي يعتنقها العلمانيون ويرددها إخوانهم حول الدين والوحي والعقيدة.
أما البؤس، فلا يقصد به تلك الحالة الشعورية التي قد تصيب الإنسان، بل يقصد بها تهافت أو تناقض.
الكتاب هذا ينتمي لنوع معين من الكتب - وهو نادر- ذلك النوع الذي قد لا يصح أبدا الكتابة عنه، لسببين، أولا، أنك تدرك تمام الإدراك، أنك مهما قلت أو كتبت لن توفيه حقه، بل كل كلام بعده سوف يبدو لك كالغثاء، أما الثاني، فهو لأنك تشعر بالغيرة الشديدة - وهو شعور جيد، وينم عن حرص، لا بخل، خصوصا في الثقافة - من كونك تقبع مع هذا الكتاب بأفكاره العبقرية طوال مدة من الزمن، ثم تجد نفسك مطالبا بشرحه وتبسيطه، أو على الأقل، توضيح أفكاره وعرضها. فكرت كثيرا بعد الانتهاء من هذا الكتاب، هل أكتب؟ أم أكتنز ما قرأت لنفسي بدافع من الأنانية والحرص؟ وكنت أخيرا قد اخترت الكتابة، لا لشيء، إلا لحفظ ما قرأت في ذاكرتي الضعيفة تلك، التي لا تتذكر أي شيء سوى بالكتابة عنه.
الكتاب هو محاولة جيدة لنقض - وهي مقصودة، ليست خطأً - لبعض التصورات العلمانية حول الدين، وهاهنا، كان السيد طه يستكمل مسيرته التي ابتدرها بكتابه روح الدين، في نقده لدعاوى العلمانية والعلمنة، قبلا كانت السياسة، والآن الأخلاق.
نسأل، هل من ضرورة حقيقية لفصل كلا منهم عن الآخر؟ وماذا ينتج عن ذلك؟ يجيبك في مقدمة كتابه العظيمة تلك، أن هذه هي أصلا سياسة العلمنة؛ الفصل، الفصل بين كل شيء، كل ما قد يرتبط بالدين أو الحياة من قريب أو بعيد، فسابقا كان الفصل بين الدين والسياسة، بدعوى العلمانية، بفتح العين، ومن ثم كان فصل الدين عن العلم، بكسرها. ومن ثم توالت عمليات الفصل والتبعيض والتجزئة تلك، لتشمل من بعد الأخلاق، والتي يسميها الكاتب هنا باسم الدهرانية.
نسأل، هل من الأفضل أن ترتبط السياسة بالأخلاق، أم أن تنفك عنها؟ أشك أي أي عاقل قد يؤمن بالثانية، فحينها يصبح عالمنا أسوأ مما قد يخطر ببال، فاذا كان الوضع الآن كذلك، والاسم أننا دول إسلامية، فما بالك إذا فكت تلك الروابط بين الأخلاق والسياسة والدين؟
الكتاب كان متنوعا ومتعددا في فصوله، ومتشعبا كذلك، على الرغم من حجمه الصغير الذي لا يعطيه تلك الهالة، وهو كذلك ليس بالمختصر ولا بالمختزل بشكل مخل أبدا، بل على العكس، كان شاملا كل جوانب الفصل، عرضا، ونقدا، أو نقضًا اذا شئت الدقة
الكتاب ليس بالسهل أبدا، خصوصا في نصفه الأول، النصف الفلسفي منه، والذي قام فيه السيد طه بتفنيد آراء دوركايم، كانط، لوك فيري، وغيرهم، أما نصفه الآخر، الجزء الصوفي منه، فكان سهلا وسلسا للغاية، وأقرب منه للمتعة من الإفادة العميقة.
هاهنا يعرض لنا طه كيفية عمل أولئك الدهرانيون، وخطة الهدم التي اعتمدوها، ناقدا ومفندا إياها، ومستبدلا إياها بخطة دينية فلسفية، بعيدة عن اللاهوت، غير مناقضة له، مؤيدة بالشرع، ومسددة بالعقل، لا العقل المجرد، ولكن العقل المسدد، بفتح الدال الأولى.
يعمد بعد ذلك ألى عرضها تفصيلا، بعد أن مر عليها إجمالا في مقدمته
فيعرض لنا مسلمات الدهرانيين حول الدين والله والأخلاق، وينقضها بشكل كامل
كمثال، مسلمة التبدل الديني بصيغها الأربعة، مسلمة التخلق، مسلمة الآمرية، مارًا على كل منها بالنقد والتفنيد، ولربما كان أهمها بالنسبة لي - وأصعبها كذلك - هي مسلمة التخلق، بكل ما يتعلق بها من علائق بين الإله والآدمي من الناحية الأخلاقية
عرض بعد ذلك لتصورات الدهرانيين للعلاقة بين الله والإنسان، بشكل موسع قليلا، وهاهنا كان نقده أكثر من رائع، خصوصا لكلام كانط ودركايم عن الدين الأخلاقي بالنسبة للأول، والدين الاجتماعي بالنسبة للثاني، والدين الطبيعي بالنسبة لروسو، كان نقده لنقد كانط للدين مذهل وعبقري، ولا ينم إلا عن عقلية فذة، أشهد أني وقفت كثيرا أمام كلامه لاستخراج النقطة المرجوة، وهذا مما أحبه.
استعرض بعد ذلك السيد طه أهم دعاوى الدهرانيون وتصوراتهم حول الإله، فكام منها مثلا، التجسيد، وهاهنا كان نقده مزدوج، فهو للمسيحية، وللدهرانية على السواء
كذا كان التصور الخارجي للعلاقة بين الله والإنسان، القائمة على فكرة التباعد والتخلي والترك، وكذا كان نقده لتصورهم حول التسيد والتملك
وهنا ينتهي الفصل الثاني، ليذهب بعد ذلك إلى نقطة أخرى، وهي الجزء ال��نائي في كتابه، بعد الهدم، وهدم الهدم.
وهاهنا يعرض لنا مشروعه هو، مشروعه القائم على العقل والدين منتجين لنا أربع قواعد وثاعدة إضافية انبنى عليها منهجه بأكمله، وهم: الآياتية، والشاهدية، والفطرية، والجمعية، والإيداعية.
ومن ثم يأتي الفصل الرابع والأخير بالباب الأول، ليهدم ما قد بني على أيدي الدهرانيين، وهو : ظلم الدهرانيين للإنسان، والدين، والله والأخلاق
الأول كان فصلا رائعًا، فند فيه دعاواهم، خصوصا المتعلقة بالدين الأرضي غير المؤله
والثانية كانت ظلمهم للأخلاق، وهي نقطة، على ما بها من التعقيد، إلا أنها سلبت عقلي بأكمله.
إلى هنا ينتهي الباب الأول، وهو غالب الكتاب تقريبا
ثم يبدأ الباب الثاني، وهو يدور، كله أو أغلبه، حول المقلدة من مفكرة الحداثة، وكيف قاموا، هم، بهدم أهم ما جاءت به الحداثة من فكر، أولها الإبداع
فعمدوا هم، على عكس ما هو مرجو، إلى تلقف ما يلقيه إليهم مفكري الحداثة الغربية من فضلات الأفكار.
كان أهم ما اشتمل عليه الفصل هو نقده لمزاعم الحداثة بإقامة دين أخلاقي بشري، أو الأخلاق الدهرية، ونقده لمحاولة إقامة روحانيات دنيانية، قائمة في الأساس على أخلاق دهرية، بعيدة عن أي اعتبارات وحيية، أو غيرها. حاول كذلك - وقد نجح- بنقد محاولة بناء دين علماني مدعما بفضائل مأخوذة أصولها أصلا عن الدين، لكن بالطبع مع محاولة تنحية أي مما يتعلق بالدين من قريب أو بعيد، كالعبادة، والشهود، والتزكية.
الكتاب ممتاز، وهو أفضل ما قرأت في نقد الحداثة الغربية ومتتبعيها من مثقفي العرب، ممن ينتقدون دوما التقليد الإسلامي، وتجدهم مع ذلك يسيرون على نفس نهج خطى الحداثة، بل يصل الأمر إلى الاتباع التام د ن تفكر، لتجدهم يلقمون ما يلقى إليهم، كما يلقم الطير أفراخه طعامهم، على حد تعبير الكاتب.
الكتاب ليس سهلا، لكنه، والحمد لله، قابل للفهم، لغة الكاتب ليست بالسهلة، وأفكاره ليست تقليدية، وأسلوبه علمي وقوي للغاية، ومنطق حواره لا يغلب حقيقة. هذا الكتاب ليس للقارئ الكسول كما يقال، بل يجب عليك الترصد لكل ما يقال حتى الفهم. لكنه على ذلك يتميز بفكره النقدي البارع والسلس للغاية.
تعجبت كثيرا من تقييمات بعض الأصدقاء، أو غير الأصدقاء، للكتاب هاهنا
فتجد من يعيب الكتاب والكاتب لكون أفكاره غير مستساغة وصعبة الفهم، لكن ما ذنب الرجل إن كنت أنت لم تطلع عليه، وعلى سابق ما كتب، من أفكار وآراء وكتب؟ الكتاب يحتاج لاطلاع جيد حقا، لا على مشروع السيد طه فقط، لكن على أفكار الفلاسفة الغربيين أنفسهم، لذا وجب التنبيه
كتاب ممتاز، ويستحق الإشادة والقراءة، وإعادة القراءة، كذلك
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين أجمل ما في القراءة لـ (طه عبدالرحمن) هو ذلك الغوص الذي يأخذك به إلى الأعماق. أعماق المسألة التي يطرحها ابتداءً من الاسم والمصطلح وصعودًا إلى النتائج والتطبيقات العملية.
لذا أرى كتبه كتب حكمة وأصول.
مدار هذا الكتاب على الأخلاق التي أرادت الحداثة وما بعدها نزعها من حيّز الدين، وإعادة صياغتها من جديد في لباسٍ دنيوي اجتماعي أو عقلي أو نفعي أو شبه دينيّ، وما يتبع ذلك من بؤس للإنسان؛ مفكّرًا أو متاُثّرًا.
أضع الكتاب في مرتبةٍ دون كتبه السابقة التي قرأتها، لأني وجدت إطالةً وتفصيلًا كان يمكن الاستغناء عنه، وبعض التكلّف في بعض النقاط.
انتقادي الأكبر لكتب طه عبدالرحمن هو في ضعف إخراجها. أعني أنّه يلزم دعمها بتلخيصات ورسوم توضيحية تلمّ شعث ما فيها من أفكار وتقسيمات ونقاط، ومن شأن ذلك إن قُيّض لكتب الدكتور طه في طبعات لاحقة أن يبرزها أكثر قربًا للقاريء، وأكثر جمالية في الشكل وتكاملًا في المحتوى.
بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين طه الصوفي يطغى هنا على طه الفيلسوف. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين كتاب معقد في أغلبه ، يكتب عبد الرحمن وكأن القارئ مُطَّلعٌ على تراثه وتراث من يشتغلُ على نقدهم ، إذ يستخدم مصطلحات خاصة به دون أن يفصلها ويوضحها (ربما كان وضَّحها في مؤلفاته السابقة) ، كما أنه لا يشرح النظريات التي ينقدها ، ولا يشرح -أيضًا- نظرياته التي يبن�� عليها نقده . كتاب مرهق ، لا أنصح به أغلب من أعرف . بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين